ديسمبر 31، 2012

المكتبات و الخزانات الأثرية بالمغرب

 
كلمة مكتبة تعني المستودع الذي تحفظ فيه الكتب. وهي كلمة حديثة، أما القدماء فقد استعملوا مصطلحات أخرى للتعبير عن المكتبة فقالوا: دار الكتب، خزانة الكتب، بيت الكتب، دار الحكمة، بيت الحكمة، خزانة الحكمة، دار العلم. واللفظ الشائع في الاستعمال المغربي حسب كتب التراث هو خزانة الكتب. ولهذا ارتأت وزارة الثقافة المغربية في نهاية الستينيات من القرن الماضي أن تطلق كلمة خزانة على المؤسسات التي تحفظ الكتب على اختلاف أنواعها وأصنافها واحتفظت بلفظ مكتبة لتطلق على الدكاكين أو الأكشاك التجارية التي تمارس بيع وشراء الكتب.


1- مدلول كلمة مكتبة
2 - الخزانات المغربية: مدخل تاريخي
3 - الخزانات الملكية: بداية الظهور
4 - ازدهار حركة المكتبات الخاصة
5 - الخزانة العامة: بداية الظهور
5-1 المسجد ودوره في دعم الخزانات العامة
5-2- خزانتي جامع القرويين وجامع ابن يوسف
5-3- خزانات المدارس العتيقة
5-4- خزانات الزوايا
6 - الخزانات المغربية في العصر الحديث

1- مدلول كلمة مكتبة
كلمة مكتبة تعني المستودع الذي تحفظ فيه الكتب. وهي كلمة حديثة، أما القدماء فقد استعملوا مصطلحات أخرى للتعبير عن المكتبة فقالوا: دار الكتب، خزانة الكتب، بيت الكتب، دار الحكمة، بيت الحكمة، خزانة الحكمة، دار العلم. واللفظ الشائع في الاستعمال المغربي حسب كتب التراث هو خزانة الكتب. ولهذا ارتأت وزارة الثقافة المغربية في نهاية الستينيات من القرن الماضي أن تطلق كلمة خزانة على المؤسسات التي تحفظ الكتب على اختلاف أنواعها وأصنافها واحتفظت بلفظ مكتبة لتطلق على الدكاكين أو الأكشاك التجارية التي تمارس بيع وشراء الكتب. وسنحاول في هذه الورقة أن نتتبع بإيجاز مسيرة هذه المؤسسة العلمية في المغرب منذ نشأتها إلى الوقت الراهن. وسنتناول هذه الرحلة التاريخية وفق خطة نصنف بها المكتبات إلى خزائن خاصة وخزائن عامة. ونبدأ البحث بالحديث عن المكتبة الملكية التي تدخل في صنف المكتبات الخاصة ولكنها تختلف عنها بحكم مجموعة من الخصائص قد تفتقر إليها المكتبات الخاصة.< />

2 - الخزانات المغربية: مدخل تاريخي
وقبل بسط القول في التقسيم الذي اقترحناه لهذا البحث لا بد من أن نتساءل عن بداية المكتبة في المغرب. إن المعطيات الثقافية القليلة والمتفرقة قد لا تمكن الباحث من تكوين فكرة مدققة عما كانت عليه المكتبة في الفترات التي أعقبت دخول الإسلام إلى المغرب. فغياب المصادر وغموض المعلومات قد لا تسعف في إيجاد أجوبة مقنعة عن الأسئلة التي تطرح حول نشأة وبداية هذه المؤسسة في هذا البلد. والخبر الوحيد المتعلق بوجود الكتب في هذه الفترة هو الذي وافانا به ابن عبد البر في كتابه "القصد والأمم" حيث يقول: إن طارق بن زياد قد عثر خلال فتح الأندلس على اثنين وعشرين مصحفا (كتابا) وهي عبارة عن أناجيل وكتب في الأحجار الكريمة وفي علم النبات والتعاويذ والخيمياء. وقد أهداها هذا القائد إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. وقد أكد هذا الخبر أبو القاسم الزياني في القرن الثالث عشر الهجري.
بعد هذا فإن ملامح وجود المكتبة في المغرب قد يعود إلى العصر الإدريسي الذي عرف حركة ثقافية متنوعة والمكتبات تنمو حيث تنمو الثقافة. إنه العصر الذي عرف ظهور المكتبات بصنفيها، بالرغم من سكوت المصادر عن الإفصاح عنها. وبالرغم من كون المعلومات القليلة التي وصلتنا بخصوص الحركة الثقافية في عهد الأدارسة متناثرة ومبعثرة، فإنها كانت في المستوى الذي جعلنا نومن بوجود المكتبة في هذا العهد. إن توافد العلماء من الأندلس والقيروان والشرق إلى فاس، وتأسيس مسجدي القرويين والأندلس، وتنظيم الحلقات الدراسية بهما، وتشجيع الأمراء الأدارسة للحركة الثقافية لمن شأنه أن يدعو إلى التأليف والنسخ واقتناء الكتب وجمعها وصيانتها في المساجد والبيوت. فلا ريب في أن المسجدين المذكورين وغيرهما من المساجد التي رأت النور في هذه الفترة كانت بها أماكن خاصة بالمصاحف وكتب الدين. وأن بيوت العلماء بدأت تتكون فيها المجموعات الخاصة يحرص أصحابها على جمعها بالشراء والاستنساخ وغيرها.

3 - الخزانات الملكية: بداية الظهور
وفي هذا المناخ الذي عرف استقرارا سياسيا هاما ونشاطا علميا كبيرا ظهر الأمير الإدريسي يحيى الرابع الذي كان -حسب ابن أبي زرع- مثقفا عالما بالشريعة، متضلعا من الحديث، مشاركا في المناظرات العلمية التي كانت تقام في مجلسه. ومن البدهي ـ باعتبار هذه المعطيات ـ أن يكون في ملك الرجل مكتبة خاصة يرجع إليها للتحصيل والتوثيق، وقد أكد وجود هذه المكتبة الجغرافي العربي الأندلسي البكري في "المسالك والممالك" قائلا: "كان العديد من الوراقين يشتغلون في نسخ الكتب ليحيى الرابع". بهذا الخبر تأكد لدينا أن هذا الخليفة الإدريسي المتوفى سنة 309 هـ قد وضع أول لبينة في بناء الخزانة الملكية التي ستلعب دورا كبيرا في تنمية الثقافة في المغرب عدة قرون.

4 - ازدهار حركة المكتبات الخاصة
ولن تعود المصادر للحديث عن هذه الخزانة إلا في العصر المرابطي وخصوصا في عهد علي بن يوسف بن تاشفين الذي أخبرنا المراكشي في "المعجب" بأنه أحاط نفسه بالعلماء والفقهاء وعمل على جلب الكتب من كل الجهات وذلك في سبيل تأسيس مكتبة لم يسبق إلى مثلها.
وستعرف المكتبة ازدهارا أكبر على عصر الموحدين بسبب ازدهار الثقافة وتحرير الفكر وشغف أمراء المومنين بالكتب. فإذا نسب تأسيس هذه الخزانة إلى الخليفة عبد المومن فإنها لم تبلغ ازدهارها وتطورها إلا في عهد ابنه يوسف الذي كان عالما شغوفا بالفلسفة متصفا بالذكاء وبعد النظر. فقد تمكن من جمع مكتبة في حجم مكتبة الحكم الثاني في قرطبة في القرن الرابع الهجري. وقد بلغت كتبها حسب المقري أربعمائة مجلد نصفها كتب فلسفة. وليس هذا من المبالغة في شيء إذا علمنا أن ذلك الخليفة هو الذي أمر الفيلسوف ابن رشد بترجمة أعمال أرسطو إلى اللغة العربية.
وإذا عرفت هذه المكتبة تدهورا في نهاية العصر الموحدي فإنها ستحيى من جديد على العهد المريني الذي أعطى للمغرب أعظم مفكريه وأكبر عقوله أمثال ابن خلدون وابن الخطيب وغيرهما. وسيتجلى هذا الإحياء والازدهار في عهد أبي عنان الذي تحدثنا كتب التاريخ بأنه كان يملك مكتبتين خاصتين: توجد الأولى بالقصر الملكي بفاس، والثانية عبارة عن مكتبة متنقلة ترافقه في رحلاته مما يدل على حبه واهتمامه بالعلم. وستعرف هذه الخزانة نموا أكبر في عهد السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي الذي لم يدّخر وسعا في إغنائها بكل ما ظهر في عصره من مؤلفات في المغرب وفي البلاد الأخرى. إنها الخزانة الملكية التي ستنتقل إلى ابنه زيدان والتي ستؤول في ظروف سياسة خاصة إلى دير الاسكوريال بضواحي العاصمة الإسبانية حيث ما زال معظم محتوياتها يقبع اليوم.
وسيخص الشرفاء العلويون هذه الخزانة بعناية خاصة بدءا بالمولى الرشيد إلى الملك الحالي محمد السادس. وضع الرشيد أسس هذه المكتبة حيث زودها بما بقي من خزائن السعديين وبما أخذه من مكتبة زاوية الدلائيين الغنية ومن غيرها من المكتبات فنماها وطورها أخوه إسماعيل ومن بعده حفيده محمد بن عبد الله الذي جمع خزانة دعت ضخامتها إلى تعيين قيمين اثنين لتسييرها وتنظيمها والسهر عليها.
وقد تميزت هذه الخزانة بنوع من التخصص عند ملوك القرن التاسع عشر بحيث كان معظم محتوياتها على عهد المولى سليمان كتبا تاريخية لأنه كان شغوفا بعلم التاريخ، كما كان جل رصيدها كتب علم، خصوصا علم الخيمياء على عهد الحسن الأول الذي كان مولعا بالمؤلفات المتعلقة بهذا المجال. وقد بنى مخبرا بالقصر الملكي بفاس لا تزال بعض آثاره ماثلة حتى الآن.
وتدخل المكتبة عالم النسيان على عهد الحماية لتسترد نشاطها بعد استقلال البلاد وبالأخص مع بداية عهد المرحوم الحسن الثاني الذي أعاد بناءها وفهرسها ونظمها وأشرع أبوابها لكافة الباحثين على اختلاف مشاربهم من داخل المغرب ومن خارجه. وتعتبر الخزانة الملكية اليوم أغنى خزانة من حيث عدد وثائقها ومن حيث قيمة وندرة ونفاسة محتوياتها.
وعلى مر التاريخ كان الملوك يختارون من علية القوم من يكون قيما عليها. فتحمل هذه المسؤولية الوزراء والقضاة والحجاب وكبار القوم والعلماء مما يدل على اهتمامهم بالكتاب وعنايتهم بالثقافة. وقد أشرعوا أبوابها للباحثين رغم كونها مكتبة خاصة فاستفادوا منها وألفوا المؤلفات برسمها. ولم يغفل هؤلاء الملوك أي مجهود في إغنائها وتنميتها. ولم يكن الملك وحده ليملك خزانة خاصة بل تروي كتب التاريخ والحضارة أن الأمراء والوزراء والحجاب والقضاة والعلماء والنساء العالمات جمعوا الكتب، واشتهر الكثير من بينهم بالأرصدة التي تجمعت لديهم بالشراء أو النسخ والاستنساخ أو بالهدايا أو بغيرها. فلا يمر عصر من العصور إلا وذكرت أسر مختلفة عرفت لها مكتبات خاصة.
يحدثنا الأنصاري في "اختصار الأخبار" أنه كان بسبتة اثنتان وستون مكتبة يعود معظمها إلى القرن الرابع الهجري، ومعظمها خزائن خاصة أكبرها خزانة ابن العجوز السبتي (413 هـ). وفي العصر الموحدي اشتهر من المكتبات الخاصة خزانة أسرة ابن الملجوم، وخزانة محمد بن يحيى المسوفي، وخزانة المومنائي، وابن الطراوة السباعي المراكشي، وخزانة القاضي ابن الصقر الذي تولى رئاسة خزانة الخليفة الموحدي يوسف بن عبد المومن بمراكش في القرن السادس الهجري، ثم خزانة معاصره محمد بن أحمد القيسي الرندي في مراكش. وابتداء من القرن الثامن ساد نوع من الوعي الثقافي في المغرب بحيث أصبح معه كل بيت بارجة ثقافية، وقليلة هي المساكن التي تخلو من مجموعة خاصة من الكتب، فقد تعددت خزائن الأمراء والوزراء والأعيان على عهد المرينيين والسعديين والعلويين وكذلك خزائن الأسر العالمة، وقد ورد الكثير من الأخبار عن المؤلفات التي ألفت برسم هذه المكتبات الخاصة. ومن أشهر هذه المكتبات مكتبة ابن الغرديس وابن القاضي في فاس ومكتبة الحضيكي وماء العينين في الجنوب المغربي. ومن مميزات هذه المكتبات أنها كانت مفتوحة في وجه الباحثين خصوصا من بين أصحاب مالكيها يقرأون الكتب وينسخونها ويستعيرونها عند الحاجة. وأنها أصبحت محطة عناية خاصة وتخصص لها غرفة مزودة بأدوات النسخ ومواد الكتابة من ورق وكاغد وما إلى ذلك.
وخلاصة القول فإن المكتبات الخاصة، ملكية كانت أو أميرية أو في ملك أسرة عالمة معينة، قد لعبت دورا كبيرا في الحفاظ على الكثير من التراث المخطوط. وما زال الكثير منها يصون هذا التراث. ومما يؤسف له أن الكثير من أصحاب هذه المجموعات يبخلون بإخراج ما لديهم من مخطوطات بالرغم من الوسائل التشجيعية التي التجأت إليها الدولة لجلبها كجائزة الحسن الثاني للمخطوطات التي أنشأتها وزارة الثقافة في أواخر الستينيات. فبفضل هذه المبادرة تم اكتشاف عدد كبير من الوثائق والمعاهدات والمراسلات والمخطوطات استفاد منها البحث التاريخي في المغرب والبحث العلمي بوجه عام.

5 - الخزانة العامة: بداية الظهور
أما الخزانة العامة أو العمومية فهي -بالمفهوم الحديث- كل خزانة تسهم في فعل القراءة العامة، ولها ثلاث وظائف : وظيفة علمية، وأخرى تربوية، وثالثة ترفيهية؛ ولم تظهر في المغرب بهذا المفهوم ـ حسب المصادر ـ إلا في القرن السادس الهجري. وهي الخزانة العامة التي بناها أبو الحسن الشاري داخل مدرسته في سبتة في شمال المغرب. وقد أكد عمومية هذه المكتبة كل من ابن الخطيب في "معيار الاختيار" وابن غازي في "ذيل فهرسته". أما المكتبة العامة بمفهومها العام فقد بدأت في المسجد وهي البداية التي عرفتها المكتبة في العالم الإسلامي. وقد أدى بناء البحث في المكتبات العمومية في تاريخ المغرب إلى تصنيفها إلى مكتبات المساجد؛ مكتبات المساجد الجامعة؛ مكتبات المدارس؛ ومكتبات الزوايا.

5-1 المسجد ودوره في دعم الخزانات العامة
لم يكن المسجد في المغرب خاصا بالعبادة وحسب، بل كان مدرسة للتعليم والتثقيف كذلك، وهكذا كان شأنه في العالم الإسلامي. فمن البدهي أن تضم إحدى زواياه مجموعة من المصاحف وكتب الدين والتفسير والحديث وغيرها تكون رهن إشارة الباحثين وطلاب العلم عموما. وإذا سكتت المصادر عن ذكر هذا النوع من المكتبات فلا يعني أن المساجد كانت خالية منها، فالتنافس العلمي الذي كان قائما بين مسجد الأندلس ومسجد القرويين في فاس منذ القرن الثالث الهجري يدل –قطعا- على وجود مجموعات من الكتب في المسجدين معا يرجع إليها الطلبة للبحث والتحصيل.
ومما لا ريب فيه أن مساجد المغرب كانت مزودة بمجموعات من الكتب من وقف المحسنين أو من إهداء الملوك والوزراء والعلماء والشيوخ أو من اقتناء المسؤولين عليها يقرأ فيها الخاص والعام. ولما انتهت المساجد من وظيفة التعليم بعد استقلال المغرب ضمت محتوياتها إلى الخزائن العامة التي أسستها الدولة. وكان التعليم العالي في المغرب منحصرا في المساجد الكبرى التي اصطلح عليها بالمساجد الجامعة، وقد برز من بينها مسجد القرويين بفاس وابن يوسف بمراكش اللذان تخرجا فيهما أكبر مفكري المغرب ومؤلفيه وعلمائه. وكلاهما كان مزودا بخزانة كتب هامة.

5-2- خزانتي جامع القرويين وجامع ابن يوسف
أسس جامع القرويين في القرن الثالث الهجري، وقصده الطلبة من جميع الآفاق، وتصدر فيه للدرس كثير من العلماء المبرزين في الفقه والحديث والآداب وغيرها. وقد تحدث المؤرخون عن بناء المسجد وعن الطابع الجامعي الذي اكتساه منذ نشأته ولكنهم سكتوا عن خزانة كتبه. وأول خبر يتعلق بهذا المجال تفصح عنه المصادر هو ذلكم الذي أورده الجزنائي في "زهرة الآس" مفاده أن أول بناية أنشئت خصيصا لتكون مكتبة جامع القرويين هي مؤسسة أبي عنان المريني في سنة 750 هـ. ولعل ما يخلد هذا التأسيس هو النقش المصنوع على رخامة فوق الباب جاء فيه:" الحمد لله أمر بإنشاء هذه الخزانة السعيدة مولانا أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين عبد الله فارس أيد الله أمره وأعز نصره بتاريخ شهر شوال سنة خمسين وسبعمائة رزقنا الله خيرها". وفي جنوب المسجد بنى أبو عنان خزانة ثانية سماها: "خزانة المصاحف للفائدة العامة" قال عنها الجزنائي :" وسهل بها على الناس تلاوة القرآن في كل المصاحف. وأباحها لمن أراد التلاوة فيها...". وقد زود أبو عنان هذه الخزانة بمجموعة من الكتب انتزعها من خزانته الملكية الخاصة واعتبرها وقفا عليها ابتغاء رضوان الله. وما من سلطان أو وزير أو عالم أو محسن إلا ووقف مجموعة من الكتب على خزانة القرويين التي يعتبرها المغاربة أول جامعة في العالم. وكانت دائما موضع اهتمام الملوك حيث أصدروا الظهائر الشريفة لإصلاحها والعناية بها. ومن أهم محتوياتها نسخة من كتاب "العبر" لابن خلدون يحمل أحد أجزائه وقفية المؤلف على الخزانة، ونسخة نادرة على رق الغزال من كتاب "البيان والتحصيل" لابن رشد الجد، ومصحف كوفي عتيق ونسخة من مختصر أبي مصعب نسخت في عام 970م برسم مكتبة الحكم الأموي.
أما خزانة جامع ابن يوسف الذي ظل منافسا للقرويين عدة قرون فإنها لم تعرف بدورها مقرا خاصا بالكتب إلا في القرن العاشر الهجري حينما أسس السلطان السعدي عبد الله الغالب بناية لحفظ الكتب بإزاء الجامع. وبرغم عدم بلوغها مكانة خزانة القرويين، فإنها كانت أغنى مكتبة بالجنوب المغربي بفضل إمدادات الملوك والأعيان والعلماء ووقف المحسنين. وقد استأثر الجامعان –القرويين وابن يوسف– بالتعليم العالي العتيق منذ بداية القرن العشرين واحتكرت خزانتهما أرصدة الكتب المحفوظة في غيرهما من المساجد. ومع ذلك فإن ما ألم بهاتين المكتبتين العظيمتين من آفات وما انتابهما من نهب قد أودى بالكثير من مدّخراتهما انتقل عدد منها إلى المكاتب الأوروبية أو دخل في حوزة بعض الخاصة.

5-3- خزانات المدارس العتيقة
ومن بين المكتبات العمومية تلكم التي أسست داخل ما يسمى بالمدارس العتيقة، وهو نوع من المؤسسات ظهرت في المغرب ابتداء من القرن السابع الهجري لإيواء الطلبة ولتأمين الدروس لهم في آن واحد. وإذا ذكر ابن مرزوق في "المسند الصحيح" أن المدارس مؤسسة مرينية، فإن مجموعة أخرى من المؤرخين كالأنصاري وليون الإفريقي و ابن أبي زرع وصاحب "الحلل الموشية" يرجعون ظهورها إلى العصرين المرابطي والموحدي؛ فمدرسة الصابرين التي بناها ابن تاشفين في فاس هي أول مدرسة بالمفهوم القديم. على أي حال، فقد عرفت جل مدن المغرب الكبيرة كفاس ومراكش وسلا ومكناس وسوس في الجنوب المغربي وغيرها مدارس عتيقة بناها المرينيون والسعديون والعلويون وزودوها بخزائن كتب يعهد بتنظيمها وتسييرها لأحد المقيمين من طلبة العلم القاطنين بالمؤسسة. ومعظم أرصدتها مهداة من مؤسسيها من الملوك أو من الوزراء والأعيان والشيوخ.


5-4- خزانات الزوايا
وقد ظهر نوع من المدارس سميت بالمارستانات على غرار المشرق لتعليم الطب، فقد أسس أبو عنان المريني بيمارستانا في سلا وزوده بخزانة كتب كانت تضم بلا شك كتبا في الطب. وبعد تخلي هذه المؤسسات عن دورها التثقيفي في أواسط القرن التاسع عشر ضمت محتوياتها إلى أرصدة مكتبات المساجد الكبرى التي استمرت في القيام بعملية التدريس. وقد ظهرت مجموعة من المدارس ضمن مؤسسات مغربية سميت بالزوايا تقوم بنفس الوظائف السابقة الذكر. عرف المغرب الزوايا منذ العصور الإسلامية الأولى: يروي صاحب "المرقي في أخبار سيدي محمد الشرقي" أن الزاوية وجدت في مدينة "تادلا" في القرن الرابع الهجري. وكانت تسمى رباطا ومهمتها تثقيفية وتربوية صوفية وجهادية. ولم تسم بالزاوية إلا في القرن السابع الهجري، وتعتبر زاوية أبي محمد صالح (631 هـ) بآسفي من أول ما سمي بهذا الاسم. وبدأت تنتشر في المدن المغربية ابتداء من القرن التاسع الهجري من أجل الدفاع عن البلاد وحماية ثغورها ضد الهجمات الأجنبية. ولم يقتصر دورها على الجهاد بل كان كذلك دورا تربويا للثقافة والتكوين، فزودت بالخزائن التي كتب لها أن تقوم بدور كبير وفعال في الحفاظ على التراث المخطوط. ولا تكاد تخلو منطقة من مناطق المغرب – مدنها وقراها، شرقيها وجنوبيها – من زاوية بها خزانة كتب ملأى بالنوادر والنفائس من الكتب المخطوطة. وقد أعطت هذه المؤسسات للمغرب أكبر العلماء والمفكرين في القرن الحادي عشر من أمثال أبي علي اليوسي وعبد القادر الفاسي وامحمد الناصر الدرعي وأبي بكر الدلائي وغيرهم. وقد يتعذر الأمر علينا إن نحن أردنا البحث في تاريخ هذه المؤسسات المتعددة وفي خزائنها الغنية. وسنكتفي بالحديث بإيجاز عن بعضها مما اشتهر بضخامة الأرصدة من الكتب والمخطوطات كزاوية الدلاء وتامكروت وسيدي حمزة وأبي الجعد.
أ- خزانة الزاوية الدلائية
أسست الزاوية الدلائية الشاذلية في القرن العاشر في الأطلس المتوسط. كانت غايتها صوفية وأصبحت سياسية بعد تدهور الحكم السعدي. نذكر من بين شيوخها محمد بن أبي بكر الدلائي وأبا عبد الله المرابط وابن عمران الفاسي وغيرهم. تدرس فيها العلوم النقلية والعقلية وعلوم الأوائل. تجمع لدى الزاوية خزانة شبهها أحدهم بخزانة الحكم المستنصر لضخامتها. ومن مصادرها الاقتناء والوصايا والوقف والاستنساخ. عرفت نهايتها على يد المولى الرشيد العلوي الذي تحوز مجموعة من كتبها لفائدة مكتبته الخاصة، ووقف جزءً آخر منها على مكتبة الجامع الكبير بمكناس، وانتهى بعض كتبها في خزائن أخرى كمكتبة "الزاوية العياشية (الحمزاوية)" ومكتبة مدينة "أبزو" التي عثر فيها على النسخة الفريدة من كتاب "البرصان والعميان والعرجان والحولان" للجاحظ (255 هـ).
ب- خزانة زاوية "تامجروت"
ولم تكن زاوية "تامجروت" دون الزاوية الدلائية قيمة ومكانة، فهي بدورها شاذلية أسست في القرن العاشر في الأطلس الكبير. طورها ونمى خزانتها الشيخ محمد ابن الناصر الدرعي. معظم محتوايتها من هدايا الملوك ووصايا الشيوخ ووقف المحسنين من العلماء والأعيان، وبعضها اقتناه شيوخ الزاوية من الشرق وعلى الأخص مكة والمدينة ومصر وتونس وليبيا حسب ما جاء في كتاب "المزايا" للناصري. ولا تزال هذه المكتبة حتى اليوم يتجاوز عدد مخطوطاتها أربعة آلاف كتاب يوجد ضمنها أحد من أقدم المخطوطات العربية في العالم وهو "حذف من نسب قريش" للسدوسي. وتعتبر زاوية أبي الجعد فرعا من الناصرية أسسها العالم سيدي محمد الشرقي في القرن العاشر. لهذه الزاوية خمس مكتبات خاصة وعامة في نفس الوقت مفتوحة في وجه كل الناس للقراءة والترفيه. ولا تختلف محتوياتها وطرق تنميتها عن باقي الخزائن السابقة.
ج- خزانة الزاوية العياشية
أما الزاوية العياشية الحمزاوية فقد أسسها محمد بن أبي بكر العياشي في القرن الحادي عشر بسفح جبل العياشي في شمال تافلالت. فقد تتلمذ العياشي على الدلائيين، فكانت برامج الدراسة والمؤلفات ومحتويات الخزانة في هذه الزاوية مطابقة لما كان عليه الأمر في الزاوية الدلائية. من نوادرها مؤلفات أبي سالم العياشي بخط يده "كماء الموائد" وهي رحلته المشهورة إلى الشرق، و"اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر".
ومن مميزات خزائن الزوايا أنها كانت مفتوحة في وجه كل الباحثين على اختلاف أهوائهم ومشاربهم. وكانت ذات صلة مع الخزائن الأخرى كالخزانة الملكية من حيث الإعارة والتبادل والاستنساخ. وقسم الوثائق المغربية يعج بالمراسلات المتبادلة بين الملوك وشيوخ الزوايا كالرسالة التي كتبها السلطان المولى سليمان للشيخ علي بن يوسف الناصري يطلب إعارة "كتاب التفسير وكتاب النزهة" لابن كثير لاستنساخهما بالخزانة الملكية. ولم تكن خزائن السوس بالجنوب المغربي بأقل قيمة من هذه الخزائن، فما زال الكثير من هذه الزوايا ذات الخزائن الكبيرة تقوم بوظيفة الدراسة والتربية حتى اليوم.

6- الخزانات المغربية في العصر الحديث
وقد تميز عهد الحماية بمحاولة إصلاح الخزائن القديمة وتأسيس خزائن بالثانويات الخاصة بأبناء الأعيان وأخرى بالبلديات للعموم. وكان أهم هذه الخزائن المكتبة العامة التي أسسها الفرنسيون بالرباط في العشرينيات من القرن الماضي والخزانة العامة التي أسسها الإسبان بتطوان في الثلاثينيات من نفس القرن.
وبعد الاستقلال عملت الدولة المغربية على تنمية المؤسسات الجديدة وبناء مكتبات أخرى للقراءة العمومية في مختلف المدن المغربية. وظلت الخزانة العامة بالرباط تقوم بوظائف الخزانة الوطنية كوضع الببليوغرافيا الوطنية والإيداع القانوني وغيرها.. وتوجت هذه الأعمال بتأسيس مركز لترميم المخطوطات وبتفعيل المشروع الخاص ببناء خزانة كتب وطنية مغربية حديثة.
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق