أبريل 17، 2007

هل حقاً "أننا" أمة لا تقرأ؟؟

العزوف عن القراءة ظاهرة في حياة المسلمين

بسام ناصر

تشير آخر الإحصاءات لعام 2005، أنّ معدل نشر الكتاب في العالم العربي لم يتجاوز نسبة 7%، وأن نصيب كل مليون عربي من الكتب المنشورة في العالم لا يتجاوز الثلاثين كتابا، مقابل 584 كتابا لكل مليون أوروبي و212 لكل مليون أميركي، حسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة والتربية (اليونسكو) ما يؤكد أن مستويات القراءة في العالم العربي متدنية مقارنة بالمعدلات العالمية.

كما تتراوح أعداد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي في المعدل العام بين ألف وثلاثة آلاف نسخة وفق تقرير التنمية البشرية الأخير، بينما تبلغ عدد النسخ المطبوعة للكتاب في أوروبا وأمريكا عشرات الآلاف الأمر الذي يعكس مدى تدني صناعة الكتاب في العالم العربي. فكيف نفسر ذلك؟ ولماذا كل هذا العزوف عن القراءة في دنيا العرب والمسلمين؟ وما هي الأسباب والعوامل التي تجعل "أمة اقرأ" لا تقرأ؟ ما نحاوله في هذا التحقيق هو فهم هذه الظاهرة المقلقة من خلال معرفة أسبابها وعوامل استيطانها في بلادنا، من خلال الوقوف على المشاكل الحقيقية التي تساهم في تدني تلك الصناعة، أو تلك التي تنتج حالة التراخي والنكوص عن القراءة بمدلولاتها وأبعادها المعرفية الواسعة الأمر الذي جعل منطقتنا تعيش حالة من الجهل والتخلف والسقوط الحضاري.

دور المكتبات العامة

ونظراً للدور الذي تقوم به المكتبات العامة في خدمة القراء من خلال تهيئة المكان للقراءة في قاعاتها، أو الإعارة لمشتركيها، التقيت مدير دائرة المكتبات العامة بأمانة عمان الكبرى (حاتم الهملان) الذي أكد بدوره أن هناك تراجعا في أعداد رواد المكتبات العامة ليس في الأردن فحسب وإنما في الوطن العربي عموما، وذلك لتراجع دور الكتاب في حياتنا وانخفاض عدد القراء بفعل أسباب عديدة ثقافية وسياسية واقتصادية، وانشغال الناس بالكثير من المشاغل اليومية ما أدى إلى تناقص ساعات الفراغ في حياتنا.

وأشار الهملان إلى أن رواد المكتبات حاليا هم من الطلبة والدارسين في الغالب، حيث قل أعداد الذين يرتادون المكتبة حباً في المطالعة واستثماراً لأوقات فراغهم بما هو مفيد، لكن ذلك لا ينفي وجود عدد من الرواد من المتقاعدين وكبار السن الذين يرتادون المكتبة بصورة دورية حبا للمطالعة وبحثا عن الفائدة.

وحول ما أحدثته وسائل التقنية الحديثة من تأثيرات على الكتاب، فقد رأى أن الحصول على المعلومة أو المعرفة التي نحتاج إليها لم يعد مقتصراً على الكتاب فقط، ومن هنا فإن الإنترنت وانتشار الفضائيات ودخولها إلى كل بيت له علاقة مباشرة بظاهرة العزوف عن المطالعة؛ فانتشار الانترنت وسهولة البحث في الكم الهائل والمحدث من المعلومات المتوفرة على شبكة الانترنت جعلت الكثيرين يهجرون الكتاب لصالح الانترنت، حتى إن العديد من المؤسسات الثقافية والعلمية أصبحت تتعامل بالنشر الإلكتروني، فتجد أن أمهات الكتب والمراجع موجودة على المواقع المختلفة على شبكة الانترنت والإصدارات الحديثة من الكتب في مجملها لها طبعات الكترونية.

أضف إلى ذلك أن الصحف والمجلات المحلية والعربية والعالمية التي لها جمهورها العريض أصبحت دوريات الكترونية ذات مواضيع متميزة وحديثة وتنتشر بسرعة وهذه ميزة تتفوق على الكتاب الذي يحتاج وقتا للطباعة والنشر، وربما حينما يصبح الكتاب في متناول يد القارئ تكون المعلومة قد أصبحت قديمة نسبيا فالمعلومة الجيدة هي المعلومة التي تجدها وقت السؤال عنها وليس بعد وضعها في كتاب ونشرها لاحقا، كما يجب أن لا نُغفل ارتفاع هامش الحرية على شبكة الانترنت مقارنة بما قد يسمح نشره في الكتاب.

كما أن لانتشار الفضائيات أثرا سلبيا على المطالعة حيث ان البرامج المختلفة الثقافية والسياسية تعرض بصورة مشوقة تجذب انتباه الكثيرين من خلال مضامينها وارتباطها بأحداث الساعة إلا أن المقلق أن هناك عزوفا عن القراءة أو البحث عن المعلومة والمعرفة سواء من الكتاب أو على شبكة الانترنت او حتى مشاهدة البرامج المفيدة والقيمة التي تعرض في الفضائيات.

وشعوراً من دائرة المكتبات العامة بأهمية المطالعة وحرصها على نشر الثقافة بين أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم العمرية، أوضح الهملان بان الدائرة تنفذ العديد من البرامج والفعاليات التي تشجع على القراءة حيث تنظم سنويا وخلال العطلة الصيفية حملة تشجيع القراءة المبكرة للأطفال، بل وتتعدى الطفل لتصل إلى الأم وهي تحت عنوان "أسرة تقرأ طفل يقرأ". بحيث تعمل على تعويده على القراءة وحب الكتاب منذ سنوات عمره الأولى. ويعتقد أن هذه الجهود هي الطريقة المثالية لإعادة دور الكتاب في حياتنا من خلال التركيز على الأطفال وإنشاء مكتبات متخصصة للأطفال.

كما تقوم الدائرة بتنظيم معارض الكتب التي تقوم ببيع الكتب بأسعار تشجيعية تسهيلا على المواطنين لإنشاء مكتبات بيتية، إضافة إلى تنظيم حملات للإهداء في المناسبات المتعلقة بالكتاب مثل الأسبوع العربي للكتاب تذكيرا بأهمية الكتاب في حياة الأفراد وترجمة للشعار الذي رفعته دائرة المكتبات العامة "بأن الكتاب كالماء يجب أن يشق طريقه إلى كل بيت".

دور النشر والتوزيع

أثناء تجوالي على بعض دور النشر والتوزيع في العاصمة عمان، التقيت شاباً في مكتبة "دار الشروق" يقيم في ألمانيا للدراسة هناك وتخصصه في مجال التصميم والنشر المكتبي، حينما سمعني وأنا أحاور موظف الدار اقترب منا مدلياً برأيه حول ظاهرة العزوف عن القراءة، حيث يرى حسان المحتسب أن من أسباب العزوف عن القراءة في عالمنا العربي هو عدم الشعور بالحاجة للقراءة، وأنه إذا لزم الأمر ووجدت الحاجة فانه يمكن تحصيلها عن طريق وسائط أخرى، كما يرى أن الإنسان العربي لا يشعر بمتعة القراءة لأنه لم يجربها من قبل، وحينما سألته عن الفوارق التي يجدها بين معارض الكتب في بلادنا العربية وبينها في ألمانيا، فقال: الفوارق كبيرة حيث ان معارض الكتب في ألمانيا تتعامل مع الكتاب كأي سلعة تجارية أخرى فتقوم بكل ما يلزم من خدمات ترويجية وإعلانية ودعائية واسعة وكبيرة.

ويستغرب الشاب الجامعي حسان المحتسب أن تصدر من بلادنا مقولة تذهب إلى التنبؤ بموت الكتاب أمام إنتاجات وسائل التكنولوجيا والاتصال المعاصر المتعددة، حيث يرى أن تلك الوسائط تدل وترشد على الكتب المتخصصة في مجال القراءة المنهجية، والكتب الثقافية المتنوعة في مجال القراءة العامة، ولكنها لن تقوم مقام الكتاب على الإطلاق، لأن جهاز الكمبيوتر وما يقدمه من معلومات سواء عبر البرامج الكمبيوترية أو من خلال الإبحار في شبكة الانترنت، ما هو إلا مسدس ضوئي لا يقوى القارئ على الجلوس أمامه لساعات طويلة، مما يعزز فرص بقاء الكتاب وخلوده على مر السنين والأيام.

ولكن ثمة أسباباً أخرى تقف وراء العزوف عن القراءة كما يقول مدير المكتب الإسلامي للنشر والتوزيع/ فرع عمان (يوسف الشاويش)، حيث ان الأوضاع الاقتصادية، وهموم الحياة اليومية وضغوطها المتواصلة من وجهة نظره تشكل سبباً هاماً ورئيساً في تفسير الظاهرة وفهم أسبابها، فالمواطن العربي مثقل بالأعباء المعيشية، ومرهق بمتطلبات الحياة المعاصرة التي لا تترك له فرصة كافية للقراءة، وتجعله في حالة قلق دائم لا يقوى معها على القراءة والمطالعة الثقافية العامة، وفيما إذا كان ارتفاع أسعار الكتب يُشكل معوقاً من معوقات القراءة، رأى الشاويش أن أسعار الكتب التراثية تعد متوسطة ومقبولة، ولعل الارتفاع يكون في الكتب الفكرية والسياسية، مع أن المكتبات العامة تقوم بدور هام في تأمين الكتب لمن لا يقدرون على شرائها عن طريق الإعارة.

وحول طبيعة العلاقة بين الناشرين والمؤلفين ومدى تأثير ذلك على سوق الكتاب، يشير إلى أن ثمة مشاكل تقع بين الناشرين والمؤلفين وتؤثر سلباً على الكتاب، وأبرز تلك المشاكل الخلافات المادية حول الحقوق ونسبة المؤلفين في الأرباح، وللأمانة فان من المؤلفين الذين نتعامل معهم من لا يسعى إلى الربح المادي بقدر ما يهمه انتشار كتابه ورواجه بين الناس، ولكن بعض المؤلفين يشترطون نسبة أرباح عالية وخصوصاً في الكتب الجامعية ومقررات كليات المجتمع مما يرفع أسعارها ارتفاعاً باهظاً.

من جهته يضيف مسؤول المبيعات في دار الفكر للنشر والتوزيع ـ وسط البلد (محمد موسى) أن من أسباب عزوف كثير من الناس عن شراء الكتب، رواج برامج الكمبيوتر (C.D) والتي أصبحت توفر مادة كبيرة وواسعة بكلفة زهيدة جداً، وحول مدى تدني المبيعات في سوق الكتاب مقارنة بالسنوات السابقة أوضح أن نسبة التدني لا تقل عن 25%.

أما فيما يخص سبل المعالجة فيرى رياض برهومة مدير مكتبة برهومة للنشر والتوزيع أن المشكلة تراكمت عبر سنوات طويلة وهي نتيجة لنمط تربوي وتثقيفي سائد في بلادنا، ومعالجتها تتطلب أنماطاً تربوية تنبع من سياسة ورؤية عامة، يتربى فيها الأطفال منذ نعومة أظفارهم على حب الكتاب والتعلق به، حتى تغدو عملية القراءة حاجة ضرورية لا يستغني عنها الناس بأي حال من الأحوال.

كاتب اردني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق