أبريل 05، 2007

مستقبل الكتب الورقية يعلن غموضــه





لو أن شخصا ما أخبرك قبل 50 عاما أن الكتاب كما نعرفه سيصبح بالياً ولا حاجة له في يوم من الأيام، لظننت على الفور أنه يمزح. لكنإذا ماحدث ذلك اليوم فأعتقد أنك ستفكر جدياً في الأمر .

مع شيوع أجهزة الكمبيوتر، باتت فكرة الكتاب الرقمي واقعا ملموسا بالنسبة للعديد من الجامعات في أميركا وأنحاء العالم، إذْ تُدرك هذه الجامعات أن الطلاّب أكثر التصاقا بالإنترنت، وأنهم يُفَضّلون شاشات الكمبيوتر للإطلاع على الكتب بدلا من السير بين رفوف الكتب لمعاينة ما يريدون قراءته وتصفحه. واستجابة إلى هذا التحول النوعي، يختار العديد من الجامعات ترقيم مكتباتها.

وبدلا من الذهاب إلى المكتبة فعليا والبحث عن كتاب في الفهرس ثم استعارته، بات من الممكن بالنسبة لهم أن يبحروا عبر الموقع الإلكتروني للجامعة، وبات بإمكانهم الحصول على نسخة رقمية منه على شاشات كمبيوتراتهم في أغلب الأحيان.
تقول سيندي سبير مساعدة مدير مكتب النصوص الرقمية في جامعة فرجينيا :
" منذ عام 1992 ونحن نتحدث عن المكتبات الإلكترونية باعتبارها موجة المستقبل. لكن الفكرة أصبحت منذ ذلك الحين موجةَ الحاضر، وأمرا واقعا ".

وبالنسبة لجامعة فرجينيا، تقول سبير إن هناك ما يقارب 70 ألف كتاب رقمي متوفر للطلاّب وغيرهم. ويمكن الوصول إلى هذه الكتب عبر زيارة : http://etext.lib.virginia.edu.
ويتوفر الكثير من هذه الكتب من خلال الخدمة الرقمية للجامعة ذاتها، فيما يتوفر بعضها الآخر عبر خدمات شركة بروكويست، التي تعد المشروع.
ويمكن لأي كان ومن أي مكان في العالم الوصول إلى هذه النصوص الرقمية وغيرها من الصور والموارد الأخرى دون حاجة لكلمة سر أو إلى سداد رسوم خدمات إنترنتية.
تقول سبير:
" إن المستخدمين من كافة أنحاء العالم، والناس في البلدان النامية الذين ما كان بوسعهم الحصول على هذه الكتب أصبح بإمكانهم الآن الاطلاع عليها وقراءتها. وفي أغلب الأحيان، فإن ما يتوفر لطلاّبنا داخل الحرم الجامعي متوفر عموما للعامة ".
أما النصوص التي لا تكون متوفرة فمصدرها بعض الناشرين الذين لا يسمحون بالوصول الكامل إلى مطبوعاتهم رقميا ، وتقول سبير :
"نحن مكتبة. وهذه خدمة عامة. ولذا فإننا نوفر ما لدينا من نصوص على أوسع نطاق ممكن".

وتقوم جامعة ماكغيل في مونتريال كندا باتخاذ خطوات مماثلة إذ إنها تقوم بتحويل عدد متزايد من كتبها إلى نسخ رقمية. وقد تمكّنت هذه الجامعة حتى الآن من تحويل ما بين 20 ألف و30 ألف كتاب إلى "كتب رقمية"، كما يقول ديفيد مكنايت مدير برنامج المجموعات الرقمية في مكتبة جامعة ماكغيل.

ويمكن للجميع في أي مكان من العالم الاطلاع على هذه الكتب عبر زيارة العنوان الإلكتروني التالي : www.mcgill.ca/dcp
واليوم، ومع بدء انتشار المكتبات الرقمية، أصبح بإمكان الراغبين الاطلاع على مخطوطات نادرة، ووثائق وصور وخرائط جغرافية، ومقالات بمجرد نقرة على فأرة الكمبيوتر.

يقول مكنايت : " منذ أن بدأنا هذه الخدمة، ازداد عدد الزائرين إلى موقعنا. إن الإنترنت تجعل هذا المشروع مشروعا جديرا بالاهتمام ويستحق العناء من أجل ترسيخه وتوسيعه ".

ويضيف مكانيت أن ماكغيل ليست هي الوحيدة التي تقوم بتقديم مثل هذه الخدمة : " فالكثير من الجامعات تسير في الاتجاه ذاته. إن عالم المكتبات آخذ في التحوّل إلى عالم رقمي على نحو مطرد. وبدلا من رؤية الطلاّب جالسين في مقاعدهم يطالعون الكتب الاعتيادية، فإنني أراهم جالسين أمام أجهزة الكمبيوتر ".

وقد بدأ العديد من البلدان الأوروبية في السير على خطى أميركا وكندا من حيث بناء المكتبات الرقمية، فقد أقامت فرنسا، على سبيل المثال، خادم غاليكا الإلكتروني لتسهيل الوصول إلى المجموعات الرقمية الموجودة بدار الكتب القومية الفرنسية، ومقرها باريس.
كما أقامت ألمانيا مشروع المكتبات الرقمية المعروف باسم غلوبال إنفو، وخصّصت مبلغ 35 مليون دولار للسنوات الست القادمة. وبالإضافة إلى ذلك، قامت كل من أسبانيا والسويد وفنلندا وروسيا بتحديث نظم المكتبات عندها بحيث باتت معظم الموارد المعرفية الرقمية المتوفرة لهذه البلدان متوفرة على شبكة الإنترنت.

تحــول رقمــــــــي

لم يعد استخدام أجهزة الكمبيوتر في الفصول المدرسية مجرّدَ بِدعةٍ فقط، فقد نجحت المدارس الأميركية منذ منتصف التسعينات في وضع جهاز كمبيوتر في كل فصل. وقام الكثير من المكتبات فعلا بتحويل الفهارس القديمة إلى فهارس إلكترونية. ومع ذلك، فإن نشر كتب تعليمية رقميا فكرة حديثة نسبيا وما زالت تثير العديد من المخاوف.

تقول سبير: " يشعر بعض أمناء المكتبات بالقلق من أنه لن تكون هناك حاجة للمكتبات أو للكتب المطبوعة إذا ما تم توفير محتويات المكتبات كاملة بصورة رقمية ".

لكن آخرين، ومن بينهم سبير، يعتقدون أن الكتب الرقمية قد تسهم فعلا في إحياء نظم المكتبات التقليدية، وأن عملية البحث عن كتاب عبر شبكة الإنترنت قد تدفع الناس فعلا لزيارة المكتبات.


العالـــم بيــن يديــــك

ليست المكتبات الرقمية للجامعات سوى جزء من أحجية أكبر، ففي حين تخطط بعض الجامعات لمسح الوثائق النادرة إلكترونيا وتوفيرها رقميا، تخطط غوغل لترقيم ملايين الكتب خلال السنوات التالية في إطار ما يُعرف باسم مشروع غوغل للمكتبات www.print.google.com .

والمشروع شبيه بقواعد بيانات أخرى تأسست قبل سنوات مثل كويستيا وليكسيس-نيكسيس وموقع Literature.org، غير أن مشروع غوغل أكبر حجما وأوسع نطاقا.

وقد انغمس فريق غوغل في العمل بالتعاون مع عددٍ من كبريات دور النشر الأميركية والبريطانية، ومع عددٍ من المكتبات مثل مكتبة مدينة نيويورك العامة (التي تعتبر واحدة من أكبر المكتبات الأميركية)، ومع جامعات مرموقة من هارفارد إلى أكسفورد لبناء قاعدة بيانات رقمية.

وتأمل غوغل في أن توفر الكتب الرقمية بلغات أخرى غير الإنكليزية. وتقوم غوغل بمسح ملايين الوثائق التي تحصل عليها مسحا إلكترونيا وتعرضها رقميا عبر الإنترنت. ويمكن للمرء أن يجد هذه المواد مجانا.

يقول نيثون تايلر المتحدث الرسمي باسم غوغل: "ما نقوم به هو تحرير وتوفير المعارف المتوفرة في الكتب وجعلها قابلة للبحث عبر الشبكة. وهذه أول مرة في التاريخ يصبح فيها هذا الأمر ممكنا وقابلا للتحقيق".

لكن ثمة مشاكل تعترض طريق تعميم وإشاعة استخدام التكنولوجيا الرقمية. فبعض الناشرين يسمحون لغوغل بتحويل الكتاب إلى نص رقمي وعرضه كاملا، في حين لا يسمح آخرون لغوغل سوى بعرض أجزاء من منشوراتهم. وقد قامت العديد من الجماعات العاملة في مجال النشر في أميركا مثل جمعية الناشرين الأميركيين وجمعية المؤلفين برفع دعاوى ضد غوغل تتهمها فيها بالتعدي على حقوق الملكية.

وبالنسبة للكتب التي لا يمكن لغوغل نشرها على الشبكة بالكامل، فإن غوغل، كما يقول تايلر، تقوم بنشر "ما يشبه بطاقة تعريف بها. صحيح أن هذا لا يوفر الكثير من المعلومات، لكنه يسمح لك في المقابل بمسح الكتاب كاملا ".

وقد دخلت ياهـــــو هي الأخرى عالم النشر الرقمي حيث تعاقدت مع دار بروستر-كيل، وهي واحدة من أكبر دور النشر الأميركية، لتحويل كتبها إلى مواد رقمية تُنشر على الإنترنت.

وفي حين أن عملية ترقيم الكتاب قد تبدو سهلة، فإن التكاليف قد تكون باهظة. ويعني هذا أن المكتبات قد تضطر لإنفاق ملايين الدولارات، كما يقول مكنايت: " إنه مشروع مكلف للغاية. إن ترقيم الكتب مسألة مكلفة. وهذه حقيقة لا تقبل الجدل. فأنت تقوم بمسح الكتاب ثم معالجته والتحكم في شكله الرقمي ثم توفيره للآخرين".

وهناك مشاكل أخرى قد تطرأ حين القيام بمسح الوثائق النادرة إذ إنها قد تتضرر أثناء معالجتها رقميا.


عمليــــة الترقيــــــم مستمـــــــرة

في حين تركز الجامعات وشركة غوغـــل على ترقيم العالم، فإن هذه التكنولوجيا قد بدأت تنتشر حتى في المدارس، أي ما قبل المرحلة الجامعية.

ففي السنة الماضية افتُتحت أول مدرسة موصولة لاسلكيا في أميركا وهي مدرسة إمباير الثانوية في مدينة فيل بولاية أريزونا، حيث تم توزيع أجهزة كمبيوتر محمولة على الطلاّب لاستخدامها طوال السنة بدلا من توزيع كتب مدرسية اعتيادية عليهم.

يقول كالفين بيكر رئيس الدائرة التعليمية الموحّدة في مدينة فيل: " إن التعليم في المدارس باستخدام الكتب التقليدية هو أشبه بالعوم في حمام سباحة في حين أن التعليم باستخدام الإنترنت أشبه بالسباحة في المحيط. الموارد المتوفرة عبر الإنترنت هي وببساطة أفضل بكثير من الموارد التقليدية ".

وقد قامت مدرسة إمباير الثانوية بشطب كل الكتب التقليدية، باستثناء بعض المراجع، من المنهج التعليمي. وتعد هذه فكرة جديدة في الولايات المتحدة.
وفي مقالة نَشرتها هيئة الإذاعة البريطانية مؤخراً، يقول بيكر: " تعتمد بعض الفصول في الأساس على خدمة بعينها، ويلزمك الحصول على كلمة سر للحصول عليها. ويستخدم بعض المدرّسين الكتب الإلكترونية على أنها أحد المصادر المتاحة فحسب، وليس على أنها المصدر الرئيسي. وكذلك فإن العديد من فصولنا تعتمد على المواد المجانية المتوفرة عبر الإنترنت ".

وفي حين أن الفصول في مدرسة إمباير الثانوية أصبحت رقمية بالكامل، فإن المدرسة ما زالت تحتفظ بمكتبة تقليدية ، يقول بيكر: " لسنا معادين للكتب، إنما نحن معادون لكتب المناهج المدرسية. لدينا مكتبة، ونشجع الطلاّب على استعارة الكتب منها وقراءتها".

وقد تكون مدرسة إمباير الثانوية أول مدرسة تستبدل الكتاب المدرسي بجهاز كمبيوتر محمول. لكن الكثير من المدارس بدأت تستخدم هذه الأجهزة كوسيلة تعليمية. ووفقا للتقرير الخاص عن التكنولوجيا والتعليم الصادر عن مؤسسة ماركت داتا ريتريفال عام 2004، فإن 56% من المدارس كانت تستخدم أجهزة الكمبيوتر المحمولة عام 2004 مقارنة بـ 36% عام 2003.

وعلى سبيل المثال، فقد قامت مدرسة إعدادية في ولاية مين، ولأول مرة في أميركا، بتوزيع أجهزة كمبيوتر شخصية على تلاميذها عام 2003، حيث تسلم تلاميذ الصف السابع والصف الثامن أجهزة كمبيوتر محمولة من طراز آبل.

ويسير الكثير من المدارس في أنحاء العالم على نفس الطريق. فقد أعلن رئيس الوزراء التايلاندي مؤخرا أن حكومته تهدف إلى تزويد كل تلميذ في المرحلة الابتدائية بجهاز كمبيوتر محمول. وتأمل تايلاند في أنْ ترفعَ هذه الخطوة من مستوى التحصيل عند الطلاّب، وأنْ تُعدَّهم على نحوٍ أفضل للتعامل مع السوق العالمية. وقد بدأت المدارس البريطانية هي الأخرى بتنفيذ هذه الخطوة.

ومع انتشار المكتبات الرقمية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة في الجامعات في أميركا وفي أنحاء العالم، يُخشى أن الكتب، كما نعرفها، قد يتجاوزها الزمن كلية.

لكن مكنايت يقول إن هذا لن يحدث " فالكتب المطبوعة ستكون موجودة ومطلوبة على الدوام. فالكتاب الفعلي هو أكثر سبل نقل المعلومات قدرة على التكيّف. سيبقى الكتاب حيا على الدوام".

http://www.dhadh.com/pageprint.php?id=7215

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق