من صحيفة الاقتصادية الإليكترونية
بدرية المشاري : الرياض
رغم حداثة تجربة نشر الكتب الإلكترونية في عالمنا العربي في الإنترنت، إلا أنها جذبت قطاعاً عريضاً من القراء والمثقفين العرب الذين يعتبرون الكتاب وسيلة للتنوير ويؤمنون بحق الجميع في الحصول على أي كتاب ، حيث تطوع شباب لإنشاء وإدارة مواقع لمكتبات عربية إلكترونية مجانية بجهود فردية وغير مدعومة، ليس من أهدافها منافسة دور النشر بل دعمها وتأييدها. ومن أهم التجارب التي رأيناها موقع المكتبة العربية والتي يقوم عليها ثلة من شباب إخوة تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 20، يدير أصغرهم مكتبة عربية انطلقت في منتصف 2006 م وتضم أكثر من 5000 كتاب عربي في مختلف المجالات وعدد الكتب فيها في زيادة نوعية وعددية مستمرة، بالإضافة إلى التحضير لإطلاق مكتبة تضم أكثر من 1000 كتاب. وهم يسعون إلى تدعيم الثقافة العربية واللغة العربية على الإنترنت. وهناك من يسعى إلى الحصول على سمعة جيدة في منتدى معين، أو تقديم خدمة مجانية لغيره من الأشخاص غير القادرين على الحصول على نسخة ورقية من كتاب معين. وخير مثال نسوقه هنا الأخ محمد جلال من مصر الذي يبلغ من العمر ستين سنةً، وهو متفرغ لمثل هذه المهمة، وهو أحد المشرفين في فريق التزويد في المكتبة العربية. ويقيم هؤلاء وزناً للحقوق الفكرية ووضعوا لها سياسات معينة لضمان حقوق المؤلفين ودور النشر. غياب للرؤية المستقبليةومن خلال جولة لنا في بعض المنتديات اتضح أن هناك جهودا حثيثة في سبيل تثقيف الشباب العربي، إلا أن بعضها يشوبه قلة الخبرة والتعجل في اتخاذ القرارات وعدم تقدير الأمور المستقبلية من قبل بعض المؤسسين أحياناً، أو عدم وجود عدد كاف من الأعضاء للمساندة وقت التأسيس ما أدى إلى انتشار المنتديات والمكتبات التي تنشر الكتب الإلكترونية العربية على الإنترنت بشكل غير منسق. وقد يتعرض بعضها لأذى الهاكرز المخربين وربما تكون أسبابهم منع نشر بعض الكتب المخالفة لسياسة بعض الدول أو غير المناسبة لبعض الفئات، وقد تصمد قليلاً أو تنمحي من وجه الإنترنت بعد فترة، وحتى بدون سابق إعلام، وهذا مما يجعل الاعتماد عليها غير ممكن. والوجه الحسن لها وجود عدد من الأعضاء ممن يعرض خدماته بشكل غير مسبوق فيقوم، مثلاً، بشراء أي كتاب يطلبه الأعضاء من المكتبات الإلكترونية التجارية، ثم يعرضه مجانا للأعضاء. ولا تقف الخدمات عند هذا الحد، بل يشتري بعضهم النسخ المطبوعة ويقوم بتحويلها إلى كتاب إلكتروني ثم يقدمها للأعضاء مجاناً.رسوم الاشتراك وحدها هل تكفي لضمان استمرارها ؟؟وفي السياق ذاته، رأينا اختلاف سياسات تلك المواقع في تحديد من يحق له تنزيل تلك الكتب على جهازه الشخصي، فمن منتديات تتطلب عدداً معيناً أو نوعية معينة من المشاركات، إلى مكتبات تتطلب دفع رسوم رمزية شهرية أو سنوية، لإيجاد دخل لضمان استمرارية العمل على نشر تلك الكتب. وبعضهم يوفرها في قسم مدفوع، ثم ينقلها للقسم المجاني بعد أن يستوفي عدداً من الطلبات، أو تعرض للبيع مجموعة على أقراص مدمجة. وأحياناً يكتفون بوضع كلمة سرية مطلوبة لفتح الملف في كل مرة أو الاكتفاء بوضع كلمة سرية عند استخراج ملف الكتاب من الملف المضغوط، وبذلك يضمنون انتشار اسم موقعهم، لأن الكلمة السرية عبارة عن رابط الموقع. ولقد وجدنا أن معظم هذه المواقع التي تتطلب مالاً لم تستمر أو لم تحظ بقبول من الأعضاء.جهود فردية في نشر الكتابوممن يساهمون بنشر الكتب الإلكترونية على الإنترنت بجهد فردي خالد عبابنة. حيث قام برفع الكتب التي حصل عليها من المواقع الأجنبية، بالإضافة لكل ما يقع عليه من كتاب عربي إلكتروني، إلى موقع متخصص في رفع الملفات ونشرها في أحد المنتديات المتخصصة ومثله –كما يذكر- كثير من الناس حتى إن بعض منتسبي ذلك المنتدى يعملون على مسح الكتب التي لديهم بالماسح الضوئي لرفعها على الإنترنت لمن لا تتوافر لديه إمكانية الحصول عليها لسبب أو لآخر. ويواصل خالد قائلاً: طبعاً هناك حقوق للمؤلفين، لكن لنكن واقعيين، فليس لدينا في دولنا من التطبيق ما يكفي للحفاظ على حقوقهم، فانظري إلى طلاب الجامعات معظم كتبهم تصوير وليست النسخ الأصلية إلا ما كان مؤلفوها من نفس البلد ويخشى أن يشتكوا على المكتبات التي تقوم بتصوير هذه الكتب والكتب العربية في مجال الهندسة نادرة؛ ولذلك يمكن أن نعتبر ضعف تطبيق القانون، والعرف السائد لدى المجتمع بأنها لا تعتبر سرقة، وغلاء الأسعار هي الدوافع للباحث عن هذه الكتب على الإنترنت. هواية تنمو.. وتتطور أسس علاء كمال السلال موقع )http://www.TipsClub.com) في عام 2005 م لكي يحتضن أكبر مكتبة عربية وإنجليزية على الإنترنت. وقد كانت البداية رغبته في تكوين مكتبة صغيرة تهتم بتوفير الكتب الإنجليزية التي يحتاج إليها طلاب كلية تكنولوجيا المعلومات، واستمرت المكتبة الإنجليزية بالنمو وبقيت هي الخدمة الوحيدة التي يقدمها الموقع والتي يديرها حالياً أحد إخوته، إلى أن اقترح عليه أخوه إطلاق مكتبة عربية شاملة تسد النقص الذي يعاني منه الإنترنت في العالم العربي. ويقوم علاء بتطوير المكتبتين برمجياً وإدارة الموقع كاملاً، ويساعد إخوته في عملهم في كلتا المكتبتين، ويقوم بتمويل أي احتياجات مالية يحتاج إليها الموقع. ولا شك في أن هذا العمل يتطلب منهم وقتاً وجهداً، ولكنهم يعتبرون عملهم بمثابة هواية لهم، فهم يستمتعون عندما يتمكنون من توفير كتاب ما لطلاب العلم الذين يرتادون المكتبة العربية من شتى بقاع الأرض. تؤدي دور المكتبة العامة نفسهأما عن التكلفة الحقيقية فهي تعتبر بسيطة، فمعتز أو فريق المكتبة العربية المنتشر في أكثر من دولة يقومون بسحب بعض الكتب بواسطة جهاز الماسح الضوئي وتجهيزها للنشر على المكتبة العربية، بالإضافة إلى جزء آخر من الكتب وهو الذي يقوم العديد من الإخوة على الإنترنت في مواقع ومنتديات أخرى بسحبه ورفعه ونشره في المنتديات. بعد أن تجمع هذه الكتب يقوم معتز بمعالجتها على الحاسوب (ضغطها بشكل ملائم حتى تقل مساحتها دون التأثير على جودة النص) ومن ثم فهرستها وفرزها حسب التصنيف الملائم لها في المكتبة العربية، ثم يقوم بضغط كل كتاب وحمايته بكلمة سر (هي اسم موقع المكتبة) ثم يرفع الكتب على خوادم المكتبة العربية ويقوم بإضافتها للمكتبة، ثم يشرع بنشر الكتب في مختلف المواقع والمنتديات بالتعاون مع فريق عمل المكتبة العربية كاملاً، وهم يركزون على المنتديات لأنها تعتبر وسيلة سهلة ومجانية للتواصل مع آلاف مستخدمي الإنترنت العرب. ويضيف علاء أن مما يشكل عائقاُ أمام المكتبات الإلكترونية العربية هو عدم وجود دعم مادي يغطي مصاريفها، بالإضافة إلى الحاجة للمزيد من المتطوعين في فريق التزويد حتى تزداد قدرتها وسرعتها في توفير الكتب الإلكترونية العربية بصورة مجانية. ويؤكد علاء على احترام حقوق المؤلفين ودور النشر، فحق المؤلف هو ودار النشر محفوظ في النسخ الورقية، كما أن نشرها إلكترونياً يشجع رواد المكتبات الإلكترونية العربية على شراء نسخة ورقية من الكتب التي تعجبهم، وهذا يشكل وسيلة دعائية لدور النشر قد تساعد في زيادة مبيعاتها بطريقة أو بأخرى. فالمكتبة الإلكترونية العربية تلعب دور المكتبة العامة نفسه غير أنها موجودة بصورة إلكترونية على الإنترنت، وبقوة انتشار أكبر؛ فالمكتبة العامة تشتري الكتاب مرة واحدة وتسمح لأي شخص مشترك فيها باستعارته، والمكتبة العربية تشتري نسخة ورقية من الكتاب أيضاً مرة واحدة وتسمح لأي شخص يزورها بتحميل الكتاب بصورة إلكترونية حتى يقرؤه ويستفيد منه.ويتمنى علاء أن تتاح لهم الفرصة للحصول على صور من المخطوطات العربية النادرة والقيمة حتى تتم إضافتها للمكتبة العربية وبالتالي توفيرها للقارئ العربي وإضافة هذه الثروة على الإنترنت العربي. وأشار علاء إلى أهمية اقتناع دور النشر برسالة المكتبات الإلكترونية العربية كي تساعدها في توفير الكتب بطريقة إلكترونية وبشكل مجاني، وبما أن الكتاب الإلكتروني لا يغني عن الكتاب الورقي فسوف لن تتأثر مبيعاتها كما المتوقع بل على العكس، يزيد نشر الكتاب بصورة إلكترونية مجاناً من مبيعات النسخ الورقية لهذا الكتاب ويزيد من شهرته على مستوى العالم! وكدراسة حية تثبت صحة هذا الرأي، يدعو علاء دور النشر لدراسة واقع الصحف والجرائد العربية الكبيرة، فبإمكان أي عربي مثلاً تصفح جريدة "الشرق الأوسط" من على الإنترنت، لأنها تتوافر بصورة إلكترونية، إلا أن هذا الأمر لا يغني عن شراء نسخة ورقية من هذه الجريدة ولا يؤثر في مبيعاتها، بل إنه يزيد من شهرتها ويوسع انتشارها ويمكن دراسة أثر ذلك على أي جريدة تطبق هذا الأسلوب. ضمانات الحقوق الفكرية للمؤلفينويتعمد بعض ناشري الكتب الإلكترونية العربية في الإنترنت إلى منع خاصية الطباعة بعد تحويل الملف إلى تنسيق (pdf)، وحجتهم في ذلك الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق الناشر والمؤلف، فلو أتيحت هذه الميزة لطبعت واستخدمت بشكل تجاري ووجدتها على الأرصفة وتسببت في خسائر فادحة لهم مما يعني عدم نشر كتب قادمة مستقبلاً لعدم جدواها الاقتصادية. ناهيكم عن الإشكاليات القانونية التي قد تواجه استمرار هذه المواقع. فهم لا يهدفون إلى إلغاء حقوق الآخرين هكذا بكل بساطة، بل لتشجيع القراءة وإتاحة الفرصة للجميع للحصول على الكتب التي منعها مقص الرقيب مع المحافظة على الحد المقبول لاستمرار رواج الكتب المطبوعة، على حد قول أحدهم. مع العلم بأن الكتب الإلكترونية غير القابلة للطباعة هي التي تباع بسعرٍ مساوٍ للكتاب المطبوع من قبل المكتبات الإلكترونية التجارية. هل المعلومة متاحة للجميع وليس عليها حماية؟وفي الختام نحب أن نشير إلى أنه في مداخلة في ندوة تقنية المعلومات والعلوم الشرعية والعربية والتي أقيمت في الفترة ما بين 6 إلى 7 آذار (مارس) في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتي تم تنظيمها من قبل كلية علوم الحاسب والمعلومات، ذكر الدكتور سليمان الشدي أن المملكة عضو في المنظمة العالمية للملكية الفكرية (IPO) ووافقت عليها كلها ما عدا آخر اثنين أحدهما الإنترنت، وتساءل: هل الإشكالية هي في حماية النص والمحتوى الذي بذل فيه جهد كبير في طباعته وإخراجه، أم أن الحماية للجهد المصنوع بكامله؟ وقرر أن المعلومة متاحة للجميع ولا يحتكرها أحد؛ فلو قامت شركة بنسخ النصوص ووضعت معالجات جديدة فهل هذه تشملها المعاهدة؟ أجاب: المعاهدة تقول لا تشملها، والنص متاح. وبناء عليه، نتساءل هنا: من أخذ تلك الكتب الورقية وأظهرها بقالب جديد، كالكتب الإلكترونية، ووزعها مجاناً، بناء على ما ذكر في التقرير من اعتبارات، فهل له ذلك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق