يونيو 13، 2020

الصناعات الثقافية والإبداعية : الاقتصاد البرتقالي Economia Naranja (أحمد عادل زيدان)

الثقافة والاقتصاد مفهومان لا يجد قطاع كبير من المهتمين بالشأن الثقافي والاقتصادي، حتى وقت قريب، ثمة رابط بينهما، حتى أضحت الثقافة مؤخراً محركًا اقتصاديًا عظيمًا وباتت العلاقة بينهما علاقة ترابط و تكامل لا فكاك فيها، ظهر معها ما يسمى بالاقتصاد الإبداعي، والذي يعد أحد النماذج الاقتصادية الجديدة التي ظهرت في العقود الأخيرة، باعتباره الاقتصاد الذي يولد الثروة من الملكية الفكرية، حيث يساهم بنسبة 3 ٪ من الناتج الإجمالي العالمي، بقيمة 250 2 مليار دولار أمريكي، ويوظف 30 مليون شخص حول العالم.
تتباين وتتعدد مفاهيم الصناعات الثقافية والإبداعية، ولكنها أصبحت اليوم تنحصر في مفهوم أعم وأشمل يتناول الديناميات المرتبطة بالأنشطة الثقافية المساهمة في السوق الاقتصادية، وهو ما يسمى ب"الاقتصاد الإبداعي". و في الآونة الأخيرة، أطلق عليه في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي اسم "الاقتصاد البرتقالي" (La Economía Naranja).
و الاقتصاد البرتقالي (Economia Naranja) هو مصطلح صاغه فيليبي بويتراجو ريستريبو وإيفان دوكي ماركيز، مؤلفا كتاب "الاقتصاد البرتقالي، فرصة لا حصر لها". و قد بررا اكتساب هذا النوع من الاقتصاد تلك الصبغة، كون اللون البرتقالي رمزا للثقافة والإبداع والهوية عند المصريين القدماء، فقد كان الصبغة الطاغية على إبداعات الفراعنة، حيث تزينت به رسوم ونقوش مقابر الفراعنة، من هنا اقترن هذا الاقتصاد باللون البرتقالي حيث ارتباطه بالثقافة والإبداع والهوية.
يشير ما يسمى بالاقتصاد البرتقالي إلى مجموعة الأنشطة الاقتصادية التي تجمع بين الموهبة والإبداع والتكنولوجيا والثقافة، بمعنى آخر تحويل الأفكار إلى سلع وخدمات ثقافية، والتي من المتوقع أن تكون بمثابة محرك جديد للنمو الاقتصادي والتحول الاجتماعي. حيث يتم جمع ثلاث فئات عريضة في الاقتصاد البرتقالي تجمع بين الالتزام الإبداعي، وهي : الفنون والتراث، والصناعات الإبداعية والإبداعات الوظيفية، و يمثل الاقتصاد البرتقالي حوالي 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا الجنوبية،بقيمة 124 مليار دولار أمريكي،كما وفر فرص عمل لمليوني شخص في قطاعات الأفلام و التلفزيون و الموسيقى و الكتب، كما شمل أيضا قطاعات الأزياء والتصميم والحرف اليدوية والهندسة المعمارية والإعلان وتطوير البرمجيات، ويضيف إليها البعض مجالي السياحة والرياضة.
ويعد الاقتصاد البرتقالي، باعتباره نموذج اقتصادي يركز على الإبداع، أداة للتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، والذي يختلف عن الاقتصادات الأخرى في أنه موجه لإنشاء وإنتاج وتوزيع السلع والخدمات التي يمكن حماية محتواها الثقافي والإبداعي من خلال حقوق الملكية الفكرية.
حظى الاقتصاد البرتقالي في كولومبيا، والتي تعد واحدة من أكبر دول أمريكا الجنوبية الداعمة لهذا الاقتصاد الناشئ بعد البرازيل والمكسيك، على يد الرئيس إيفان دوكي زخماً غير مسبوق، حيث يسعى لجعل الثقافة مركزاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فقد بادر بإنشاء مجلس اقتصاد برتقالي وطني يضم حاليًا 12 عضوًا، منهم  7 وزارات، الأمر الذي دفع هذا القطاع بأن يسهم بنسبة 1.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، من خلال خمس قطاعات رئيسية هي التلفزيون والإعلان والصحف والمجلات والفنون البصرية والكتب، وهو ما يجعل المشهد هناك يبدو مثيرا و واعدا للتنمية الثقافية والاقتصادية على السواء.
بنظرة اقتصادية بحتة، إذا اعتبرنا الاقتصاد البرتقالي بلدًا، فسيكون رابع أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان، و تاسع أكبر مصدر، و رابع أكبر قوة عمل تقدر بـ 144 مليون عامل في وظائف مباشرة وغير مباشرة.
من العوامل الهامة الدافعة للاقتصاد الناشئ أنه أقل عرضة للكساد وتقلبات السوق كغيره من السلع أو المواد الخام والدليل على ذلك هو تجاوزه الأزمة المالية العالمية بشكل أفضل من قطاعات مثل النفط.
ختاماً يمكننا القول أن الإبداع والثقافة هما مفتاح تعزيز التنمية المستدامة للمجتمعات والاقتصادات الحديثة ، بالإضافة إلى كونها مختبرًا رائعًا للعمل من أجل الابتكار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق